الدكتوركريم ناصر علي :
اذا كان العرف السياسي قد استقر على تسمية الصحافة بالسلطة الرابعة لدورها المعروف في الرقابة والمشورة واجلاء الحقائق ومساعدة السلطات الثلاث في الوصول الى استكمال المنهج الديمقراطي،
فان اطلاق تسمية السلطة الخامسة على منظمات المجتمع المدني لها مايبررها هي الأخرى لما تسعى اليه من اهداف جعلتها تمثل الضمير الحي الذي يراقب اعمال السلطات مدافعاً عن مصالح افراد المجتمع في مختلف ادوارهم ومن خلال مساهمتها في صنع القرار الوطني وانارة السبيل امام متخذالقرار بعيدا عن الضغوط الرسمية وغير الرسمية.
لقد بات (المجتمع المدني) في المرحلة الراهنة يقدم اجابة للعديد من المسائل فهو الرد على سلطة الحزب الواحد كما كانت في الدول الشيوعية حيث بدأت بالتصدي لشمولية الدولة في اوروبا الشرقية من خلال الدور الذي لعبته منظمة التضامن العمالية في بولندا مثلاً ،او في الرد على بيروقراطية وتمركز عملية اتخاذ القرار في الدول الليبرالية وهو الرد على سيطرة اقتصاد السوق على الحياة الاجتماعية والصحة والثقافة والفن وكذلك الرد على ماهو سائد في انظمة العالم الثالث من تسلطية.ان التطلع الى مجتمع اكثر مساواة واكثر مشاركة واكثر تمثيلية وعدالة واقل اغترابا وصنمية هو ماتسعى اليه مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية بعد أن اهتزت الكثير من الشعارات والتسميات: الاشتراكية والليبرالية والراديكاليه.. وغيرها في العقد الاخير من القرن الماضي. ان تشييد مؤسسات المجتمع المدني في بلادنا بدأت بتشكيل النقابات والجمعيات منذ ثلاثينيات القرن الماضي لكن الأهم ليس مجرد اقامة هذه المؤسسات بل دورها الفاعل في الحياة المدنية الحديثة اللازمة لموازنة البرلمان والمساعدة على الوصول الى مجتمع تتوافر فيه اسس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لاسيما في مرحلة اختصار المراحل دون القفز عليها.
ان اهم شروط بناء مجتمع مدني فاعل تتمثل في :.
1-ضرورة الفصل بين مؤسسات الدولة والمؤسسات المجتمعية دون غياب دور السلطة التنفيذية متمثلة بدعم ورعاية وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني وما كفله التشريع الدستوري لهذه المؤسسات من رعاية واعتراف قانوني ودون التدخل الحكومي الذي يلغي استقلاليتها من خلال التسلط بعيدا عن تنسيق الجهود.
2-ضرورة الوعي للتفريق بين آليات عمل الدولة وآليات عمل هذه المنظمات ذات الطبيعة الطوعية غير الرسمية وغيرالحكومية.
3-ان تكون السلطة القضائية هي الحكم في الحد من التصرفات غير القانونية ليقول القضاء كلمته في ماهو قانوني ومشروع ام غير ذلك لاسيما بعد ظهور الكثير من هذه المنظمات التي تعمل بشكل غير قانوني ويتخذ منها البعض وسائل للنفعية تحت غطاء المساعدات الانسانية لتوزيعها على ابناء الشعب العراقي.
4-ضرورة ان تلعب هذه المؤسسات دورها في الديمقراطية المباشرة (وجها لوجه) والمشاركة النشطة في الحياة العامة وفي اتخاذ القرار من خلال اسهامها في تفعيل دور النشاطات المهنية والانسانية والاجتماعية المختلفة بصفتها تمثلها في التعبير عن تطلعاتها وحاجاتها نحوالغد الافضل.
5-ضرورة ان تاخذ المفوضية العليا للانتخابات دورها في الانتباه الى استخدام البعض لهذه المنظمات كوسائل للترشيح البرلماني بما يتعارض مع دورها الحقيقي.
ان الطريق المؤدية الى مجتمع مدني فاعل يجب ان تمر بالديمقراطية وحقوق الانسان لأن المجتمع المدني شرط من شروط وجودالديمقراطية بل هو الذي قاد اليها في الغرب فهو ببساطة كان يعني في مرحلة معنية الحقوق المدنية وفي مرحلة اخرى اعتبار المجتمع قائماً على تعاقد وفي مرحلة ثالثة الانتخابات البرلمانية وتوسيعها وشموليتها وفي مرحلة رابعة حقوق المواطن. لقد وجد المجتمع المدني تعبيره السياسي والقانوني الأول في اعلان حقوق الانسان والمواطن في اعقاب الثورة الفرنسية حيث تحول عملياً الى فكرة المواطنة بمعناها الحديث حيث بدأت فكرة المواطنة المعاصره تتطور منذ ذلك الحين ومنذ الثورة الفرنسية والتحولات المتاخمة لها في امريكا وبريطانيا والمجتمع المدني يمر متوقفا عند محطات عديدة ومحطته الحالية منذ الثمانينيات من القرن الماضي هي واحدة من هذه المراحل التي ستؤدي الى فرز جديد بين عناصره المكونة يتم بعده اعادة انتاج وحدة المجتمع المدني على درجة اعلى من التمايز والتركيب وعلاقات اغنى بين مركباته.
تتمثل المرحلة الحالية في توطيد المبادرات الاجتماعية الذاتية والمنظمات غير الحكومية والتنظيمات النسوية والبيئية.. وغيرها من المؤسسات غير البرلمانية تستهدف ان يتمتع المواطن بحقوقه التي كفلتها المواثيق الانسانية في الحياة والعمل وحرية التعبير والاجتماع وشمولية حق التصويت.. وغيرها.
فهي اذن سلطة خامسة حقاً لامجازاً مكملة لمهمات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وسلطة الصحافة.