الخطـــبة:
الخطبة بكسر الخاء هي طلب الرجل التزوج بامرأة معينة
خالية من الموانع وقد يكون الطلب منه شخصيا أو ممن ينوب عنه، والحكمة من الخطبة هو
السماح لكلا الطرفين التعرف على الطرف الآخر.
وفي هذا الإطار قد أجازت الشريعة الإسلامية للرجل وكذا المرأة النظر لكل
منهما للآخر والاجتماع بينهما ولكن في حدود الشريعة الإسلامية، وقد أجاز الفقه
الإسلامي النظر بالنسبة للرجل إلى الوجه والكفين فقط لمن يرغب في التزوج بها، وفي
هذا الإطار المرأة أولى من الرجل في أن تطلع على أخلاقه وميوله حتى يكون عرض
الزواج مبني على أسس متينة بل أن حقها في فك الرابطة الزوجية مقيد بأسباب معينة
خلافا للرجل الذي تكون بيده دائما العصمة وفي نفس السياق فإنه لا يجوز الخلوة بين
الرجل والمرأة فهي محرمة شرعا حيث يقول صلى الله عليه وسلم:«من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان».
( يجوز شرعا أن تتقدم المرأة بخطبة الرجل)، ( مادام لم يتم عقد الزواج
بينهما فهي أجنبية عنه حتى ولو تمت الخطبة).
أولا. شروط الخطبة:
1-
الشروط
المستحسنة في المخطوبة:
أ.أن تكون من النساء المتحلية
بالخلق الفضيلة، بحيث إذا كانت الزوجة سكون الزوج وحرث له وهي شريكة حياته
وربة بيته وأم أولاده وموضع سره فمن أجل ذلك عنت الشريعة الإسلامية باختيار الزوجة
الصالحة لا على أساس مالها ولا جمالها الفتان بل على أساس أخلاقها بحيث يقول صلى
الله عليه وسلم:«من
تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقرا ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا
دناءة ومن تزوج امرأة ليغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك
لها فيه».
ب.أن تكون من البعيدات ن
الخاطب، بحيث أثبتت البحوث العلمية المعاصرة أن الزواج بين
الأقارب يؤدي إلى ضعف النسل وتوارث بعض الأمراض الخطيرة، وفيه قال عمر بن الخطاب
لبني سائد:«قد
ضويتم فانكحوا الغرائب»،
ويقول صلى الله عليه وسلم:«
اغتربوا لا تضووا» .
ج. أن تكون بكرا ولودا،
وفيه يقول صلى الله عليه وسلم:«تزوجوا الولود الودود فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة».
د. توافر التقارب الاجتماعي
والثقافي والاقتصادي بين الطرفين، بحيث أثبتت الحياة الاجتماعية
بأنه كثيرا ما تنتهي الرابطة الزوجية بسبب وجود الفوارق الاجتماعية والاقتصادية
فهي تلعب دورا هاما بين الأشخاص.
( هذه الشروط هي من الشروط
المستحسنة وليست الواجبة فإن لم توجد فهي لا تؤثر في صحة عقد الزواج).
2-
شروط صحة
الخطبة:
مادام أن الخطبة هي مقدمة من مقدمات الزواج فإنه يشترط
في المرأة أن لا تكون من المحرمات على الخاطب أي لا يكون مانع من موانع الزواج في
أحد الطرفين ومن ثم يشترط في المرأة أن لا تكون:
أ.
إحدى محارمه من النسب أو الرضاعة أو المصاهرة. (
موانع مؤبدة )
ب. أن لا يكون بها مانع من
الموانع المؤقتة، كالمحصنة( متزوجة) لأن خطبتها فيها اعتداء على حق
الغير، ولا المشركة، ولا غير المسلم بالنسبة للمسلمة. ( الرجل له أن يتزوج متى شاء
ولكن ليس مع من يشاء)، ( لو تقدم
رجل إلى مشركة بخطبتها وقبلت به ولكنها يوم إبرام عقد الزواج كانت مسلمة فزواجه صحيح
أما إذا أصبحت متدينة بالديانة الإسلامي بعد إبرام العقد فعقده باطل بطلانا
مطلقا).
ج. المعتدة من طلاق رجعي لا
يجوز خطبتها بطريق التصريح ولا التعريض لأن زوجيتها لا زالت قائمة وحق الزوج في
إرجاعها لا زال كذلك قائما. ( يجوز للرجل إرجاع المرأة المعتدة من طلاق رجعي إذا
كانت ما تزال في عدتها بدون رضاها ولا صداق جديد).
هل المشرع الجزائري أخذ بالطلاق الرجعي بحيث لا يجوز
خطبة المرأة في هذا النوع من الطلاق؟ للإجابة على هذا
السؤالتنص م 49 قا.أ على أنه:" لا يثبت الطلاق إلا بحكم..."، و تنص م 50 قا.أعلى أنه:" ...ومن راجعها بعد صدور الحكم بالطلاق يحتاج إلى حكم جديد"،وبتنسيق
هاتين المادتين نستنتج أن المشرع الجزائري لم يأخذ بالطلاق الرجعي وإنما أخذ فقط
بالطلاق البائن لأن في نظره الطلاق لا يتم إلا بحكم قضائي وعندما يتم لا يجوز
للزوج أن يراجعها إلا بعقد جديد.
د. المرأة التي تكون معتدة من
طلاق بائن بينونة صغرى أو كبرى، الصغرى هو جواز الزوج أن يتزوج
بنفس المرأة التي طلقها لكن بعقد جديد غير أنه غير مقيد باحترام العدة، أما الكبرى
هو الطلاق الثلاث الذي لا يجوز للزوج فيه مراجعة من طلقها حتى تنكح غيره بزواج
صحيح ويكون قد دخل بها وطلقها أو توفي عنها.
هل يجوز خطبتها؟ لقد اختلفت الآراء الفقهية حيث يرى الحنفية أنه لا يجوز
خطبتها لا تصريحا ولا تعريضا، بينما يرى جمهور الفقهاء بإجازة خطبتها تعريضا
لانقطاع الزوجية بالطلاق.
ه. المعتدة من وفاة،
وهي المرأة التي توفي عنها زوجها وأصبحت معتدة بعدة الوفاة وهي 04أشهر و10أيام فهذه
لا يجوز خطبتها تصريحا أما التعريض فأجازه الفقهاء مع عدم تزوجها في الحال.
و. مخطوبة الغير،
حسب القاعدة العامة لا يجوز للشخص أن يتقدم بخطبة امرأة مخطوبة لشخص آخر لقوله صلى
الله عليه وسلم:«لا
يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته»، وقال صلى الله عليه وسلم:«لا يخطب الرجل
على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك»، أمام هذه الأحاديث النبوية فإن الحالات التي يمكن أن
تظهر في الواقع بشأن هذه الخطبة فهي متعددة منها خاصة:
الموافقة
الصريحة للمخطوبة: لقد اتفق الفقه فيما إذا وافقت المرأة على خطبتها فإن
خطبتها من غيره حرام.
الرفض القطعي
على الخطبة الأولى: هذه المرأة يجوز خطبتها وهو جائز شرعا.
سكوت المخطوبة
على خطبتها: إذا سكتت المخطوبة على خطبتها أي لا تجيب لا بالقبول
ولا بالرفض فقد اختلف الفقه بشأنها حيث يرى الرأي الأول( أبو حنيفة ومالك)
بأنه لا يجوز للخاطب الثاني أن يتقدم لأن السكوت وإن لم يدل على الرفض فإنه كذلك
لم يدل على القبول، بينما يرى الرأي الثاني( بعض الشيعة والشافعية) إلى أنه
يجوز خطبة الثاني استنادا لقوله صلى الله عليه وسلم بشأن فاطمة بنت قيس التي أتت
النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن معاوية وأبا جهامة خطباها فقال صلى الله عليه
وسلم:«أما
معاوية فصعلوك لا مال له و أما أبو جهامة فلا يضع عصاه على عاتقه انكحي أسامة بن
زيد».
3-
حكم زواج
المخطوبة:
وهي المرأة التي وافقت على خطبتها الأولى وتقدم شخص ثان
لخطبتها وتزوجت منه.
ما حكم هذا الزواج؟ لقد تضاربت
الآراء الفقهية إلى ثلاث اتجاهات:
الاتجاه الأول: ذهب إليه
جمهور الفقهاء وأكثر الشيعة فقالوا أن خطبة الرجل على خطبة أخيه ليست لها أي تأثير
على العقد ففي هذه الحالة الزواج صحيح من الناحية القضائية غبر أن العقوبة فيه
أخروية.
الاتجاه الثاني: ذهب إليه
الظاهرية وقالوا أن الزواج باطل ويجب فسخه سواء دخل بها أو لم يدخل بها لأن الحديث
الذي نهى عن خطبة امرأة الغير هو صحيح فلا يحتاج إلى تأويل آخر.
الاتجاه الثالث: ذهب إليه
المالكية فقالوا أنه يجب التفرقة بين الدخول وعدمه فإن تم الدخول فالزواج صحيح ولا
يمكن فسخه نظرا لما يترتب عليه من أضرار أما إذا لم يتبعه دخول فالعقد باطل.
الخطبة وعد بالزواج، يجوز للطرفين العدول عن الخطبة..." وعليه فإن
المخطوبة التي وافقت على خطبتها من شخص ثاني وتزوجت به تكون بمجرد موافقتها على
الخطبة الثانية قد عدلت على خطبتها الأولى لأن العدول حق من حقوقها ومن ثم فإن
زواجها مع الشخص الثاني صحيح دخل بها أو لم يدخل بها.( هنا المشرع الجزائري أخذ
بجمهور الفقهاء).
ويشترط إلى جانب ذلك أن تتم الخطبة عن تراضي الطرفين أي
الإيجاب من قبل أحدهما والقبول من الطرف الآخر، ويشترط في الرضا أن لا يكون معيبا
لعيب من عيوبه كالغلط والإكراه والتدليس.
غير أن ما يجعل الخطبة تختلف عن عقد الزواج هو أن المشرع
لم يحدد سنا معينة للخاطبين بحيث قد اكتفى بالتنصيص في م 07 قا.أ على أن أهلية الزواج بالنسبة
للطرفين هي 19 سنة
ومن ثم لنا أن نتساءل عما إذا كانت هذه السن هي ذاتها قد اشترطها المشرع
بالنسبة للطرفين محل الخطبة؟ للإجابة عن هذا السؤال فإن المشرع في م 05 و م06 قا.أ المنظمتين لأحكام
الخطبة لم ينص على تحديد سن معينة للخطبة ولكن نظرا للعادات السائدة في المجتمع
الجزائري غالبا بل في كل الأحيان أن الخطبة تسبق عقد الزواج وأن هذا الأخير لا يتم
إبرامه إلا بعد مرور مدة معينة من الزمن ولذلك فإن سن الخاطبين يكون أقل من السن
التي اشترطها المشرع بالنسبة للطرفين المقبلين على الزواج، وعليه فإنه منالمستحسنأن لا تكون
هذه السن أقل من 17 سنة
بالنسبة للفتاة و18 سنة بالنسبة للفتى وإلا سيوافق أحدهما عند عدم توافر
هذه السن على علاقة غير قادرين على تنبؤ تكاليفها، كما أنه لم يشترط المشرع شكلا
معينا لإتمام الخطبة إذ أنه قد اعتمد على مبدأ الرضائية الصادر من كلا الطرفين أو
ممن ينوب عنهما.
1-
الطبيعة
القانونية للخطبة:
إذا تمت الخطبة وأدى ذلك إلى إبرام عقد الزواج فهنا لا
يثور أي إشكال، بينما إذا لم تنتهي هذه العلاقة إلى إبرام عقد الزواج فإنه من هذا
الجانب لنا أن نتساءل عن الطبيعة القانونية للخطبة هل تعد عقد أم وعد بالعقد؟
وإذا كيفناه وعدا بالعقد مثلا هل تأخذ ذات الحكم المتعلق بالوعد بالعقد المنصوص
عليه في القانون المدني؟
تنص م
05/1 قا.أ على أن "الخطبة
وعد بالعقد" وفي الفقرة2
" يجوز لكلا الطرفين العدول عنها"، ومن ثم يكون قد استنبط المشرع
هذا الحكم من أحكام الشريعة الإسلامية وأساس ذلك هو أن عقد الزواج يتم عن طريق
الإيجاب والقبول ومنه لا يمكن أن نلزم أحد الطرفين أن يتزوج بالطرف الآخر حتى ولو
كانت الخطبة قائمة، وبمعنى أدق فالوفاء بهذا الوعد يقضي أن يمضي عقد الزواج على
شخص غير راض به وهذا ما يتنافى مع النظام العام وكذلك مع حرية الأشخاص في التزوج،
ومن ثم فإنه لا يجوز للقاضي أن يجبر أحد الطرفين على الزواج بعقد غير راض به.
ولكن الحكمة القائمة من التفرقة بشأن الطبيعة القانونية
للخطبة بين الوعد والعقد تكمن فيالمسؤوليةأي أن المسؤولية القائمة في هذه
الحالة ( حالة العدول) هيمسؤولية تقصيرية، أي أن عبء الإثبات يقع على
المضرور أي على الشخص الذي سبب له العدول ضررا وهذا ما نصت عليه م 05/3 قا.أ ومن ثم يجب
على المضرور إثبات الخطبة بأي وسيلة من وسائل الإثبات ثم بعد ذلك إثبات الضرر أي
إثبات العلاقة السببية بين الخطأ الصادر عن الطرف الآخر والضرر الذي أصابه نتيجة
ذلك.
ما حكم الفاتحة في قانون الأسرة، هل خطبة أم زواج؟
كانت م 06 قا.أ تنص على أنه:" إذا اقترنت الخطبة بالفاتحة تطبق بشأنها أحكام م 05 قا.أ أعلاه أي
أحكام الخطبة"،
ومن ثم يكون المشرع قد كيف الفاتحة على أساس أنها خطبة وليس زواج، غير أن الحكم
الذي كان يتبناه المشرع في هذا الصدد لا يتماشى مع العادات والتقاليد الجزائرية إذ
قد اقتبسه من دول الشرق الأوسط ومنها خاصة سوريا، أما ما هو موجود في المجتمع
الجزائري فإن قراءة الفاتحة تكيف على أساس أنها زواج وذلك نظرا لاشتمالها على جميع
أركان وشروط عقد الزواج وتفاديا لهذا المشكل القانوني جاءت عدة قرارات صادرة من
المحكمة العليا قاضية بأنه:"
من المقرر قانونا أنه يمكن أن تقترن الخطبة مع الفاتحة أو تسبقها لمدة غير محدودة
ومن المقرر أيضا أنه يثبت الزواج بتوافر أركانه المقررة شرعا" ( قرار
14/04/1992)، وفي قرار آخر صرحت المحكمة العليا على أن: " اقتران الخطبة بالفاتحة بمجلس العقد تعتبر زواجا متى توافرت أركانه
طبقا للمادة 09 قا.أ" ( قرار 04/04/1995).
إلا أن م 06 قا.أ عدلت بمقتضى الأمر الصادر في 27/02/2005 وأصبحت تنص على
أنه:"... غير أن
اقتران الفاتحة بالخطبة بمجلس العقد يعتبر زواجا متى توافر ركن الرضا وشروط الزواج
المنصوص عليها في م 09 مكرر من هذا القانون".
2-
آثار العدول عن
الخطبة:
هذه الآثار تتمثل في ثلاث نقاط أساسية :
أ.حكم المهر: لقد جرت
العادات في الجزائر على أن يمنح الخاطب لمخطوبته قبل إبرام عقد الزواج المهر كله
أو الجزء منه وذلك من أجل تحضير بيت الزوجية.
وبالرجوع إلى قانون الأسرة نجد أن المشرع لم يبين لنا ما هو حكم المهر
في حالة العدول عن الخطبة؟ولكن تنفيذا للمادة 222 قا.أ قد أجمع الفقه الإسلامي على أنه يجب
على المخطوبة رد المهر بأكمله سواء أكان العدول منه أو منها ومهما كان المتسبب فيه
لأن المهر هو شرط من شروط صحة عقد الزواج( أو أثر من آثاره عند بعض الفقهاء) ولا
دخل للخطبة فيه، ولكن ما ينبغي الإشارة إليه هو أن هذه القاعدة لا تتماشى مع
العدول الذي أقيمت عليه مبادئ الشريعة الإسلامية وعليه يجب التفرقة بين الحالتين
التاليتين:
إذا كان العدول من جهة
المخطوبة: يجب عليها رد المهر كاملا وإن كانت قد بدأت
بإعداد جهازها لأنها تكون راضية بالخسارة .
إذا كان العدول من جهة الخاطب:
فمن الظلم أن تلزم المخطوبة برد مثل النقد أو قيمته وهي غالبا تتصرف في المهر
بعد الخطبة من حيث شراء الثياب ...الخ، لذلك إما أن ترد المهر نقدا أو جهازا
حتى لا تتحمل الخسارة وفي كل ذلك ينبغي البحث عن المتسبب في العدول ف‘ذا كانت
المرأة نطبق عليها أحكام الحالة الأولى أما إذا كان الرجل نطبق عليه أحكام
الحالة الثانية.
ب.حكم الهدايا في حالة العدول:
لقد تضاربت آراء الفقه الإسلامي حول حكم الهدايا في حالة العدول عن الخطبة بحيث
يرىالحنفيةبأنه يجوز الرجوع في الهدايا ما لم يوجد مانع من موانع
استردادها كالهلاك والاستهلاك والخروج عن الملك، بينما يرى رأي آخر على أنه لا
يجوز للخاطبين الرجوع في الهدية سواء كانت قائمة أو مستهلكة وهو رأيالحنابلة،
ويرىالشافعيةإلى وجوب الرد مطلقا سواء كانت قائمة أو مستهلكة،
وأمام هذه الآراء المتضاربة بعضها البعض يرىالمالكيةأنه ينبغي
التفرقة بين حالتين:
* العدول من جانب الخاطب: وفيها لا يحق له أن
يسترد الهدايا حتى ولو كانت قائمة ما لم يوجد شرط أو عرف يقضي بخلاف ذلك.
* العدول من قبل المخطوبة: عليها أن ترد الهدايا
إذا كانت قائمة أو قيمتها إذا استهلكت أو هلكت .
وقد ذهب المشرع الجزائري على منوال المالكية بحيث نص في م 05/3 قا.أ على أنه:" لا يسترد الخاطب من
المخطوبة شيئا مما أهداها إن كان العدول منه، وعليه أن يرد للمخطوبة ما لم يستهلك
مما أهدته له أو قيمته".
هل الخاطب ملزم برد الهدايا غير المستهلكة أو قيمة هذه
الهدايا؟ وهل له حق الاختيار؟
أمام هذا الغموض الوارد في النص القانوني نرى أنه كان على المشرع أن يضيف
عبارة:" إذا استهلكت" أمام قيمته ومن ثم يصبح الشطر الثاني من النص
:" وعليه أن يرد للمخطوبة ما لم يستهلك مما أهدته له أو قيمته إذا استهلك أو
هلك"، أما م 05/4 قا.أ
تنص على أنه:" وإذا
كان العدول من المخطوبة فعليها أن ترد للخاطب ما لم يستهلك من هدايا أو
قيمته" والملاحظة السابقة الواردة على الفقرة 03 تنطبق على هذه
الفقرة، ولكن أمام هذه النصوص القانونية ما يعاب على المشرع الجزائري هو أنه أخذ
بعين الاعتبار بشأن حكم الهدايا الشخص العادل عن الخطبة بدون الولوج في التفرقة
بين المتسبب في العدول عن الخطبة ومن قام بالعدول، فإنه من الأحرى أن يفرق في هذه
الحالة بشأن حكم الهدايا في حالة العدول عن الخطبة بين المتسبب في ذلك وغير
المتسبب ومن ثم إذا كان العدول من قبل المخطوبة بسبب راجع إلى الخاطب ففي هذه
الحالة نطبق ما ورد في م05/3
قا.أ ، أما إذا العدول من قبل الخاطب ولكن بسبب المخطوبة فنطبق حينئذ ما
ورد في م 05/4 قا.أ
حكم التعويض في حالة العدول عن
الخطبة: لم يتعرض الفقه الإسلامي القديم إلى هذه المسألة وذلك راجع للعادات
والتقاليد السائدة آنذاك التي أصبحت تختلف عن عاداتنا وتقاليدنا المنحرفة عن
الديانة الإسلامية، ومن ثم يمكن أن هذه التصرفات المتمثلة خاصة في العدول عن
الخطبة قد تسبب ضررا للطرف الآخر ولذلك لنا أن نتساءل عما إذا كان للطرف
المضرور الحق في التعويض وعلى أي أساس؟، وللإجابة على هذا السؤال يرى جانب من
الفقه الإسلامي على أنه لا يجوز الحكم بالتعويض في حالة العدول عن الخطبة لأن هذه
الأخيرة هي وعد بالزواج ولا تحتوي على عنصر الإلزامية وأن العادل يكون قد مارس حق
من حقوقه على لأن المشرع يسمح له بذلك.
ويرى الرأي الثاني بأنه يجوز التعويض في حالة العدول عن الخطبة ولكن يعاتب
على هذا الرأي بأنه لم يفرق بين عما إذا كان الحق للشخص المطالب بالتعويض في حالة
الضرر المادي أو المعنوي أو كلاهما معا.
غير أن الرأي الثالث يرى بأنه ينبغي التعويض عن الضرر المادي دون المعنوي،
فيأخذ على هذا الرأي الأخير هو أنه رتب حق الشخص في التعويض عن الضرر المادي دون
المعنوي ومع العلم أنه في مثل هذه المسائل فالشخص يتضرر أكثر معنويا عما هو ماديا.
إلا أن الرأي الأخير يرى بأنه ينبغي التعويض عن الضررين المادي والمعنوي
معا، وقد أخذ المشرع الجزائري بهذا الرأي بحيث نص في م 05/2 قا.أ على أنه:"
إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر مادي أو معنوي لأحد الطرفين جاز الحكم له
بالتعويض"، وأن ما يعاتب على المشرع الجزائري هو أنه قد اعتبر الخطبة أمر
إلزامي بحيث إذا لم تنتهي إلى الزواج وتم العدول عنها فيسأل صاحبه من حيث التعويض
عن الضرر اللاحق بالطرف الآخر وهذا ما يجعلها تتناقض مع الفقرة الأولى من م 05
قا.أ التي أجازت للطرفين الحق في العدول، ولذلك كان على المشرع أن يأخذ بما أخذت
به المدونة المغربية بحيث نصت في م 06 منها على أن:" حق العدول عن الخطبة حق
لكلا الطرفين"، وجاءت في م 07 بالتنصيص على أن:" مجرد العدول عن الخطبة
لا يترتب عنه تعويض، غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر يمكن
للمتضرر المطالبة بالتعويض"، وما يمكن القول في هذا الصدد أن المسؤولية تكون
تقصيرية مرتكزة على ثلاثة أركان: الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما، ثم على
المضرور إثبات الخطأ الصادر عن الطرف الآخر ثم أن هذا الخطأ قد سبب له ضرر أي
العلاقة السببية بين الخطأ والضرر ور يمكن القول أن التعويض في هذه الحالة بديلا
عن الالتزام بالوفاء بالوعد لأن هذا الوعد ينتهي بالعدول وأن التعويض لا يكون إلا
إذا صاحب العدول ظروف وملابسات من شأنها إلحاق الضرر بالطرف الآخر ومن ثم ينبغي أن
يكون التعويض على قدر الضرر فلا ينبغي أن يكون تعويضا تقديره جزافيا.
ولكن أمام كل هذه القواعد ينبغي التفريق بين أمرين أي بين نوعين من
الأضرار:
-
الأضرار التي تلحق الطرف الآخر
نتيجة لمخالفة الأحكام الشرعية كاختلاط الخاطب بمخطوبته بدون محرم منها وعندئذ لا
يجوز لها طلب التعويض عن الضرر المعنوي حتى ولو كان في ذلك مساس بشرفها.
-
أما إذا كان الضرر ناتج عن أمور
أخرى كالتخلي عن الدراسة أو العمل أو مرور مدة من الزمن قد تكون طويلة بعد الخطبة(
فوات الفرص) هنا يجوز المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي أو المعنوي.
منقول